«ابو جهاد» وانا، كان بيننا اتفاق مضمر لم يجر الحديث فيه، وهو العمل على انصافه، من خلال محاولة تصحيح تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
لم يطلب مني «ابو جهاد» ذلك، ولكنني كنت ادرك بحدسي انه يتوقعه، ومن جانبي لم ألمح له بشيء، ولكنني كنت قد اخذت على نفسي عهداً بأن انصفه. وكان «جندي من العرب» العنوان الذي وضعته للكتاب الذي انوي تخصيصه لسيرته.
تمهلت من خلال توقع بأنه ما زال هناك متسع من الوقت لمتابعته المسيرة. ولكنني تعلمت درساً بأنه كان خطأ فادحاً المراهنة على سلامة اخطر قائد فلسطيني واجه اسرائيل بعد النكبة. وكان مستقبله اشد خطورة عليها من حاضره، اذا ما اصبح يوماً قائداً للثورة الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات بطريقة او بأخرى. لذلك قررت اسرائيل ان تئد مستقبل الفلسطينيين باغتيال خليل الوزير «16/4/1988»، قبل القضاء على حاضرهم.
قبل خمسة وخمسين عاماً «1954» كان كلانا في قطاع غزة يغني على ليلاه الفلسطينية بطريقة مختلفة. فقد كان عضواً ناشطاً في حركة الاخوان المسلمين. وضمن النشاط السري للحركة حصل على تدريب عسكري كان شغوفاً بتطبيقه، مما دفعه للانسحاب من حركة الاخوان المسلمين، وادخله في متاعب مع المخابرات المصرية في قطاع غزة، اما انا فكنت ذا اتجاه قومي عربي شغوفاً بالوحدة العربية لاسترجاع فلسطين. وكنت رئيس تحرير مجلة «المستقبل»، وكاتب عمود في جريدة «غزة»، ومشرفاً على تحرير جريدة «اللواء» ومع انني اعمل في العلن، الا انه كان لا مفر من متاعب مع المخابرات المصرية التي تشرف على الرقابة الصحفية. وربما بسبب السرّي والعلني في تلك المرحلة، كان خليل الوزير يعرف عني اكثر مما اعرف عنه.
مضى الزمن بخطا سريعة، وفيما بعد، حدثني «ابو جهاد» عن نشاطه في تلك المرحلة، في لقاء مطوّل تم بيننا في بيروت، بعد ظهر يوم الاحد 17/6/1978، وهذا ما قاله «ابو جهاد»:
|